فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {انفروا خفافًا وثقالًا} يعني انفروا على الصفة التي يخفف عليكم الجهاد بها وعلى الصفة التي يثقل عليكم فيها وهذان الوصفان يدخل تحتها أقسام كثيرة فلهذا اختلفت عبارات المفسرين فيها.
فقال الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة وعكرمة: يعني شبابًا وشيوخًا.
وقال ابن عباس: نشاطًا وغير نشاط.
وقال عطية العوفي: ركبانًا ومشاة.
وقال أبو صالح: خفافًا من المال يعني فقراء وثقالًا يعني أغنياء.
وقال ابن زيد: الخفيف الذي لا ضيعة له والثقيل الذي له الضيعة يكره أن يدع ضيعته.
ويروى عن ابن عباس قال: خفافًا أهل اليسرة من المال وثقالًا أهل العسرة.
وقيل: خفافًا يعني من السلاح مقلين منه وثقالًا يعني مستكثرين منه.
وقيلك مشاغيل وغير مشاغيل.
وقيل: أصحاء ومرضى.
وقيل: عزابًا ومتأهلين.
وقيل: خفافًا من الحاشية والأتباع وثقالًا مستكثرين منه.
وقيل: خفافًا يعني مسرعين في الخروج إلى الغزو ساعة سماع النفير وثقالًا يعني بعد التروي فيه والاستعداد له والصحيح أن هذا عام لأن هذه الأحوال كلها داخلة تحت قوله تعالى: {انفروا خفافًا وثقالًا} يعني على أي حال كنتم فيهما.
فإن قلت: فعلى هذا يلزم الجهاد لكل أحد حتى المريض والزمن والفقير وليس الأمر كذلك فما معنى هذا الأمر.
قلت: من العلماء من حمله على الوجوب ثم إنه نسخ.
قال ابن عباس: نسخت هذه الآية بقوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} الآية.
وقال السدي: نسخت بقوله: {ليس على الضعفاء ولا على المرضى} الآية ومنهم من حمل هذا الأمر على الندب.
قال مجاهد: إن أبا أيوب الأنصاري شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتخلف عن غزوة غزاها المسلمون بعده فقيل له في ذلك، فقال: سمعت الله يقول: {انفروا خفافًا وثقالًا} ولا أجدني إلا خفيفًا أو ثقيلًا وقال الزهري: خرج سعيد بن المسيب وقد ذهبت إحدى عينيه فقيل له: إنك عليل صاحب ضر فقال: استنفر الله الخفيف والثقيل فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد أو حفظت المتاع.
وقال صفوان بن عمرو: كنت واليًا على حمص فلقيت شيخًا قد سقط حاجباه على عينيه من أهل دمشق على راحلته يريد الغزو فقلت يا عم أنت معذور عند الله، فرفع حاجبيه وقال: يا ابن أخي استنفرنا الله خفافًا وثقالًا إلا أنه من يحبه يبتليه والصحيح.
هو القول الأول أنها منسوخة وأن الجهاد من فروض الكفايات ويدل عليه أن هذه الآيات نزلت في غزوة تبوك وأن النبي صلى الله عليه وسلم خلف في المدينة في تلك الغزوة النساء وبعض الرجال فدل ذلك على أن الجهاد من فروض الكفايات ليس على الأعيان والله أعلم.
وقوله سبحانه وتعالى: {وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله} فيه قولان الأول أن الجهاد إنما يجب على من له مال يتقوى به على تحصيل آلاف الجهاد ونفس سليمة قوية صالحة للجهاد فيجب عليه فرض الجهاد والقول الثاني أن من كان له مال وهو مريض أو مقعد أو ضعيف لا يصلح للحرب فعليه الجهاد بماله بأن يعطيه غيره ممن يصلح للجهاد فيغزو بماله فيكون مجاهدًا بماله دون نفسه {ذلكم} يعني ذلكم الجهاد {خير لكم} يعني من القعود والتثاقل عنه.
وقيل: معناه أن الجهاد خير حاصل لكم ثوابه {إن كنتم تعلمون} يعني أن ثواب الجهاد خير لكم من القعود عنه ثم نزل في المنافقين الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. اهـ.

.قال أبو حيان:

{انفروا خفافًا وثقالًا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}
لما توعد تعالى من لا ينفر مع الرسول صلى الله عليه وسلم وضرب له من الأمثال ما ضرب، أتبعه بهذا الأمر الجزم.
والمعنى: انفروا على الوصف الذي يحف عليكم فيه الجهاد، أو على الوصف الذي يثقل.
والخفة والثقل هنا مستعار لمن يمكنه السفر بسهولة، ومن يمكنه بصعوبة، وأما من لا يمكنه كالأعمى ونحوه فخارج عن هذا.
وروي أن ابن أم مكتوم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعليّ أنْ أنفر؟ قال: نعم، حتى نزلت: {ليس على الأعمى حرج} وذكر المفسرون من معاني الخفة والثقل أشياء لا على وجه التخصيص بعضها دون بعض، وإنما يحمل ذلك على التمثيل لا على الحصر.
قال الحسن وعكرمة ومجاهد: شبابًا وشيوخًا.
وقال أبو صالح: أغنياء وفقراء في اليسر والعسر.
وقال الأوزاعي: ركبانًا ومشاة.
وقيل: عكسه.
وقال زيد بن أسلم: عزبانًا ومتزوجين.
وقال جويبر: أصحاء ومرضى.
وقال جماعة: خفافًا من السلاح أي مقلين فيه، وثقالًا أي مستكثرين منه.
وقال الحكم بن عيينة وزيد بن علي: خفافًا من الإشغال وثقالًا بها.
وقال ابن عباس: خفافًا من العيال، وثقالًا بهم.
وحكى التبريزي: خفافًا من الأتباع والحاشية، ثقالًا بهم.
وقال علي بن عيسى: هو من خفة اليقين وثقله عند الكراهة.
وحكى الماوردي: خفافًا إلى الطاعة، وثقالًا عن المخالفة.
وحكى صاحب الفتيان: خفافًا إلى المبارزة، وثقالًا في المصابرة.
وحكى أيضًا: خفافًا بالمسارعة والمبادرة، وثقالًا بعد التروي والتفكر.
وقال ابن زيد: وقال ابن زيد: ذوي صنعة وهو الثقيل، وغير ذوي صنعة وهو الخفيف.
وحكى النقاش: شجعانًا وجبنًا.
وقيل: مهازيل وسماتًا.
وقيل: سباقًا إلى الحرب كالطليعة وهو مقدم الجيش، والثقال الجيش بأسره.
وقال ابن عباس وقتادة: النشيط والكسلان.
والجمهور على أن الأمر موقوف على فرض الكفاية، ولم يقصد به فرض الأعيان.
وقال الحسن وعكرمة: هو فرض على المؤمنين عنى به فرض الأعيان في تلك المدة، ثم نسخ بقوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} وانتصب خفافًا وثقالًا على الحال.
وذكر بأموالكم وأنفسكم إذ ذلك وصف لأكمل ما يكون من الجهاد وأنفعه عند الله، فحض على كمال الأوصاف وقدِّمت الأموال إذ هي أول مصرف وقت التجهيز، وذكر ما المجاهد فيه وهو سبيل الله.
والخيرية هي في الدنيا بغلبة العدو، ووراثة الأرض، وفي الآخرة بالثواب ورضوان الله.
وقد غزا أبو طلحة حتى غزا في البحر ومات فيه، وغزا المقداد على ضخامته وسمنه، وسعيد بن المسيب وقد ذهبت إحدى عينيه، وابن أم مكتوم مع كونه أعمى. اهـ.

.قال أبو السعود:

{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}
{انفروا} تجريدٌ للأمر بالنفور بعد التوبيخِ على تركه الأنكار على المساهلة فيه وقوله تعالى: {خِفَافًا وَثِقَالًا} حالان من ضمير المخاطبين أي على أيّ حالٍ كان من يُسر وعُسر حاصلَين بأي سببٍ كان من الصِحة والمرض، أو الغِنى والفقر، وقلةِ العيال وكثرتِهم أو غير ذلك مما ينتظمه مساعدةُ الأسباب وعدمُها بعد الإمكان والقدرةِ في الجملة، وما ذكر في تفسيرهما من قولهم: خفافًا لقلة عيالِكم وثقالًا لكثرتها أو خِفافًا من السلاح وثِقالًا منه أو رُكبانًا ومُشاةً أو شبانًا وشيوخًا أو مهازيلَ وسِمانًا أو صِحاحًا ومِراضًا ليس لتخصيص الأمرَين المتقابلَين بالإرادة من غير مقارنةٍ للباقي وعن ابن أمّ مكتومٍ أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أعليّ أن أنفِر؟ قال عليه الصلاة والسلام: «نعم» حتى نزل: {لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ} وعن ابن عباس رضي الله عنهما نسخت بقوله عز وجل: {لَّيْسَ عَلَى الضعفاء وَلاَ على المرضى} الآية: {وجاهدوا بأموالكم وَأَنفُسِكُمْ في سَبِيلِ الله} إيجابٌ للجهاد بهما إن أمكن وبأحدهما عند إمكانِه وإعوازِ الآخَر، حتى إن من ساعده النفسُ والمالُ يجاهدُ بهما ومن ساعده المالُ دون النفسِ يغزو مكانَه مَنْ حالُه على عكس حالِه. إلى هذا ذهب كثيرٌ من العلماء وقيل: هو إيجابٌ للقسم الأول فقط {ذلكم} أي ما ذكر من النفير والجهادِ، وما في اسم الإشارةِ من معنى البعدِ للإيذان ببعد منزلِته في الشرف {خَيْرٌ لَّكُمْ} أي خيرٌ عظيمٌ في نفسه أو خبر مما يبتغى بتركه من الراحة والدعةِ وسَعةِ العيشِ والتمتع بالأموال والأولاد {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أي تعلمون الخيرَ علمتم أنه خيرٌ أو إن كنتم تعلمون أنه خيرٌ إذ لا احتمال لغير الصدقِ في أخبار الله تعالى فبادروا إليه. اهـ.

.قال الألوسي:

{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}
{انْفِرُواْ} تجريد للأمر بالنفور بعد التوبيخ على تركه والإنكار على المساهلة فيه، وقوله سبحانه: {خِفَافًا وَثِقَالًا} حالان من ضمير المخاطبين أيعلى كل حال من يسر أو عسر حاصلين بأي سبب كان من الصحة والمرض أو الغنى والفقر أو قلة العيال وكثرتهم أو الكبر والحداثة أو السمن والهزال أو غير ذلك مما ينتظم في مساعدة الأسباب وعدمها بعد الامكان والقدرة في الجملة.
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي يزيد المديني قال: كان أبو أيوب الأنصاري والمقداد بن الأسود يقولان: أمرنا أن ننفر على كل حال ويتأولان الآية.
وأخرجا عن مجاهد قال: قالوا إن فينا الثقيل وذا الحاجة والصنعة والشغل والمنتشر به أمره فأنزل الله تعالى: {انفروا خِفَافًا وَثِقَالًا} وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا خفافًا وثقالًا وعلى ما كان منهم، فما روي في تفسيرهما من قولهم: خفافًا من السلاح وثقالا منه أو ركبانًا ومشاة أو شبانًا وشيوخًا أو أصحاء ومراضا إلى غير ذلك ليس تخصيصًا للأمرين المتقابلين بالإرادة من غير مقارنة للباقي.
وعن ابن أم مكتوم أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أعلى أن أنفر؟ قال: نعم. حتى نزل: {لَّيْسَ عَلَى الاعمى حَرَجٌ} [النور: 61].
وأخرج ابن أبي حاتم وغيره عن السدى قال: لما نزلت هذه الآية اشتد على الناس شأنها فنسخها الله تعالى فقال: {لَّيْسَ عَلَى الضعفاء وَلاَ على المرضى} [التوبة: 91] الآية.
وقيل: إنها منسوخة بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَافَّةً} [التوبة: 122] وهو خلاف الظاهر، ويفهم من بعض الروايات أن لا نسخ فقد أخرج ابن جرير والطبراني والحاكم وصححه عن أبي راشد قال: رأيت المقداد فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص يريد الغزو فقلت: لقد أعذر الله تعالى إليك قال: أبت علينا سورة البحوث يعني هذه الآية منها.
{وجاهدوا بأموالكم وَأَنفُسِكُمْ في سَبِيلِ الله} أي بما أمكن لكم منهما كليهما أو أحدهما والجهاد بالمال انفاقه على السلاح وتزويد الغزاة ونحو ذلك {ذلكم} أي ما ذكر من النفير والجهاد، وما فيه من معنى البعد لما مر غير مرة {خَيْرٌ} عظيم في نفسه {لَكُمْ} في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما، ويجوز أن يكون المراد خير لكم مما يبتغي بتركه من الراحة والدعة وسعة العيش والتمتع بالأموال والأولد.
{إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أي إن كنتم تعلمون الخير علمتم أنه خير أو إن كنتم تعلمون أنه خير إذ لا احتمال لغير الصدق في أخباره تعالى فبادروا إليه، فجواب إن مقدر.
وعلم اما متعدية لواحد بمعنى عرف تقليلًا للتقدير أو متعدية لاثنين على بابها هذا.
ومن باب الإشارة في الآيات أن قوله سبحانه: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ الله في مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} [التوبة: 25] إلخ اشارة إلى أنه لا ينبغي للعبد أن يحتجب بشيء عن مشاهدة الله تعالى والتوكل عليه ومن احتجب بشيء وكل إليه، ومن هنا قالوا: استجلاب النصر في الذلة والافتقار والعجز، ولما رأى سبحانه ندم القوم على عجبهم بكثرتهم ردهم إلى ساحة جوده وألبسهم أنوار قربه وأمدهم بجنوده وإليه الإشارة بقوله تعالى: {ثُمَّ أَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين} [التوبة: 26] الآية، وكانت سكينته عليه الصلاة والسلام كما قال بعض العارفين من مشاهدة الذات وسكينة المؤمنين من معاينة الصفات، ولهم في تعريف السكينة عبارات كثيرة متقاربة المعنى فقيل: هي استحكام القلب عند جريان حكم الرب بنعت الطمأنينة بخمود آثار البشرية بالكلية والرضا بالبادي من الغيب من غير معارضة واختيار، وقيل: هي القرار على بساط الشهود وبشواهد الصحو والتأدب بإقامة صفاء العبودية من غير لحوق مشقة ولا تحرك عرق بمعارضة حكمد وقيل: هي المقام مع الله تعالى بفناء الحظوظ.